رسائل غير مُرتبة إلى ابني الذي لم يُخلق بعد

 
مصدر الصورة


يا بني لعل أول وأثمن ما أبدأ به هي "الأولويات"

 انتبه لقائمة أولوياتك..  احيانا وبلا شعور تنجرف وراء الناس سأكل كما يأكل الناس وسأشرب والبس واشتري كما يفعل الناس أولا بأول لا أتأخر عن مسيرهم، حتى بالعِلم والاطلاع أو حتى التخصصات الأكاديمية و المهن يطولها الإنغرار.

تسعى دائما لأن "تكون مثلهم" لا أن تسعى وراء ما تريد، ربما تنجرف بلا شعور او إدراك. كما أرى الناس حولي و أرى نفسي في بعض الأحيان. أُفزع بأن تسللت لي الرغبة بدون أن أعلم. لذلك أطلب الحكمة والبصيرة من الله دائماً


 احذر ان تكون أولوياتك التوفير حتى تشتري جهاز جديد وانت لا تملك قيمة فاتورة مستشفى بسيطة.
احذر ان تحب الظهور للناس بأحسن صورة حتى لو كان ذلك على حساب صحتك ومالك ونفسك!
متى ما ساءت صورتك لا أحد يهتم بما خسرت لأجل إظهار هذه الصورة.
 

 يا بني انتبه لوقع كلماتك جيدًا انتبه ان تشعر بالزهو لأي شيء حتى لو كان دينك لان الشعور إذا طفح ظهر على  الكلام ثم يتأكد التأثير على قلبك  وعلى الناس. الزهو والفخر بأي شيء يُعميك عن الحق. فلا تريد ولا أريد لك ذلك


 يقول الطيب صالح: “أنا إنسان بسيط، المتدينون يعتبرونني ماجنا والمعربدون يحسبونني متدينا.”
 كل مجتمع له نظره في التدين أو الألقاب التي يصف بها الأشخاص. لا تكترث فيما لو خيبت أمل أحد ما أو "سقطت من عينه" ثم أصبحت "بعينه" غير متدين وغير ملتزم. فأنت يا "حبة عيني" لم تخلق لأجل ألقاب ومواصفات تتغير وتتبدل في كل جيل. أفعل ما تؤمن أنه صحيح وتحرى الحقيقة. وإن أخطأت تشجع وأعترف وتُب لله وليس للمجتمع.


لا تقلق كثيرًا حول تصورات الناس عنك. أعلم أن هذا صعب لقد عايشت هذا الشيء في عدة مواضع ومواقف.
ولا أريد أن أكون كمن يقول: "أوصيك بالمستحيل والسلام”. لكن المحاولة شرف.
 يا بني لقد قابلت أناس يهتمون بستر اجسادهم أكثر من ستر ألسنتهم فإياك أن يغرك المظهر.
ففحص قلبك باستمرار وأجعل التطهر ديمومتيك ليُستر الله لسانك وجسدك.
 يا بني لا تنظر للدين كأخذ وعطاء أفعل كذا لأحصل على الأجر، الله لم يخلقنا لهذا، لدي إيمان بأن الله يحبنا ويحب خطأنا وتوبتنا.. اجعل الله قريب منك أسع إلى الله بحب أسع لرضاه لا لشيء آخر..  وضعت الجنة كحافز فلا تنسيك الوسيلة غياتك ألا وهي الرضا من الله (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم) . بني محاولة القرب من الله يجب ان تكون "مستمرة" سيتخلل ذلك يأس والشعور بالوَحشة والبُعد. لكن لا بأس هذا اختبار لك فيما إذا كنت تستحق القُرب منه أم لا.. حاول حتى تصل أو لتمت وأنت تحاول الوصول.
 بُني كما لا تنسك الجنة - الوسيلة - الغاية - رضا الله -
فلا تنسى بأن المال والوظيفة والعلاقات القريبة والبعيدة إلى آخرها ... هي وسائل لتحقيق السعادة، لا تجعلها أهداف لك.
 كما أن جميع الوسائل بصغيرها وعظيمها جميعها بلا استثناء لا يمكن أن تمد لقلبك السعادة والانشراح. حتى أقرب الناس لك لا يمكنهم ولو أرادوا ، أن يشرحوا صدرك. لا ولن يستطيع أحد إلا الله.

 يا بني ان اشتعلت نار الغيرة والحسد في قلبك فقل لقلبك اهدأ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ثم ادع له بان يبارك الله له ويرزقه ويرزقك من فضله.

فضل الله واسع والنعم وافرة فلا يأخذ أحد رزق أحد. الله كريم فأطلب منه أن يطهرك من كل سوء..


 أنني أعتقد اعتقاد قريب للجزم ولتجرب ذلك في نفسك وتلاحظ ذلك في غيرك، من صفا قلبه أو حاول صفت له حياته لا أعني خلوها من الكدر ولكن ستشعر بالتقبل وانشراح الصدر حتى لو كانت تسير الأمور عكس ما تريد.
 ابني لا تضغط على نفسك فوق ما تستطيع فتهلك ولا تعودها على الكسل فتركن إليه.

أذكر لك قول هيرمان هيسه الذي يمثل شيء في داخلي:
لم أكن أريد إلاّ أن أعيش وفق الدّوافع الحقيقيّة الّتي تنبع من داخلي، فلما كان الأمر بهذه الصّعوبة؟

حاليًا أنا أستمع وأقرأ لبرنيه براون، هذه السيدة يا صغيري تعلمني أن أكون شفافة، وصادقة لم يحصل هذا بعد لكن لازلت أحاول. أزعجت من حولي بقصتها وقصة محفظتها وجاء الدور لأخبرك عن هذه المحفظة الحقيقة. المبدأ بكل بساطة، يرزقنا الله أناس يحبوننا لأنفسنا لا لشيء من عندنا، وهذا نادر وقليل لذلك قُلت رزق من الله. تمسك بهؤلاء ما استطعت، تودد لهم وأحسن إليهم وأغدق عليهم من جودك. نعم غالبًا ما تكون العائلة.تكتب برني براون قائمة صغيرة بالأناس المهمين في حياتها. وهم فقط من تهتم لرأيهم فقط. الحُب النابع من هذه القائمة حب لا محدود و غير مشروط، أي يهمهم نموك وتطورك و سعادتك وإن أخطأت وفشلت في شيء ما، لا ينقص ذلك من قدرك عندهم. ألا يذكرك هذا بشيء ما؟ حب الأمهات؟ نعم أيضاً؟ يذكرني بالسيدة خديجة رضي الله عنها. لم يخش النبي -عليه الصلاة و السلام- في أن يظهر ضعفه وخوفه في حادثة نزول الوحي لأول مرة. ثم احتوته وذكرته بمن يكون، ذكرته بكل الصفات والأعمال النبيلة التي سبق وأن عملها. أدع الله بأن يرزقك حبًا كهذا.   


-إنني يا بُني أخشى عليك مني. نعم مني. حرصي الزائد عليك. رغبتي بأن تكون ناجحا فيما "تريد" على الدوام. أخاف عليك من الخطأ. ثم أبث خوفي إليك فتخاف منه وما ينبغي لي ولك ذلك. أريد لك بعقلي أن تخطئ حتى تتعلم بكل جوارحك ولكن قلبي يأبى لك ذلك. قلبي يود ان يحيطك بسياج يحمك من كل أَذى حتى اذى وألم الخطأ. أخشى ان أقسو عليك من فرط حبي لك. ثم تفهمها مني عكس ذلك. أخشى عليك التفاهة وانحدار الهمة كما   أخشاها على نفسي الآن. أخشى عليك "إدمان الانشغال" وفعل الأشياء بدون بصيرة ولا رؤية واضحة. الانشغال لذات الانشغال. أن لا تجد وقتًا صافيًا من كل فكرة وخاطرة. وقت ساكن صامت لتتأمل اتساع السماء والنظر للنجوم. 
أودّ يا بني ان تعلم انني أسعى لتعليم نفسي في تخصصي وغير تخصصي. و منشغلة بذلك لكن عندما أتذكرك أضيف  إلى مهامي ان أقرأ عن عالمكم الطاهر وكيف لنا نحن الملوثون بكل شيء أن نتعامل معكم بدون أن ندنسكم ولا أعتقد ان ذلك سيحصل    فسامحني إن تلوثت بسببي. إنني أجتهد فقدر لي ذلك. 
 بني إني لا أعلم إن كنت ستأتي أم لا لأي سبب كان. لكن هذه الرسالة لك في حال قدومك .
-       هل يبدو ذلك مضحكًا؟ أن أكتب لشخص غائب ؟  لا ليس تمامًا أعتقد غالب الفتيات تولد معهن الأمومة بالفطرة-
  - اكتب لك الآن وعمري اثنان وعشرون سنة و٦ أشهر. تخرجت من الجامعة قبل شهر من الآن ، ١٧ رمضان ١٤٣٨  -

أودّ يا بني ان أكون لك ليس أمًا فحسب بل صديقة ورفيقة او ربمًا أكثر من ذلك. أتمنى ذلك. 


كل الحب النقي.


نهِال  

تعليقات

المشاركات الشائعة